تمهيد :
كما أن للمرض الروحي أعراض مرضٍ فهناك أعراض شفاءٍ ، فبضدها تتباين الأشياء
ولعل إنكار أهل الطب النفسي لأعراض المرض الروحي تكذيب صريح للواقع و ماحدث للنبي صلى الله عليه وسلم وقت سحره – كان يُخيل له أنه صنع شيئا وماصنعه – إلا دليل على وجود أعراض للمرض الروحي
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ , حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا , وَدَعَا ثُمَّ قَالَ : أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي ؟ أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : مَا وَجَعُ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : مَطْبُوبٌ ؟ قَالَ : وَمَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ . قَالَ : فِيمَا ذَا ؟ قَالَ : فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ . قَالَ فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ . فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ : نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ . فَقُلْتُ : اسْتَخْرَجْتَهُ ؟ فَقَالَ : لا , أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ , وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا , ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ ) رواه البخاري (3268) ومسلم (2189)
وكذلك في حادثة سهل بن حنيف حينما صُرع إلا دليل على توافر أعراض للعين
فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: “مرّ عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف رضي الله عنهما وهو يغتسل، فقال: لم أر كاليوم ولا جِلدَ مُخبّأة، فما لبث أن لُبِطَ به، فأتي به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقيل له: أدرك سهلاً صريعاً، قال : ( من تتهمون به؟) ، قالوا: عامر بن ربيعة ، فقال: ( علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة ) ، ثم دعا بماء، فأمر عامراً أن يتوضأ، فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه وداخلة إزاره، وأمره أن يصب عليه” رواه ابن ماجة .
ومن المغالطات أنهم لايطالبون بالتشخيص وكأنه حكر لهم أو عدم اعتراف بالفرق بين المرض الروحي والمرض النفسي و تجاهلهم هو من أسباب نفور الناس منهم نظرا للمغالطة الصريحة لواقع الناس ،ولاأدري أين ذهب علمهم وشهاداتهم الكثيرة ولايعني هذا أننا ننكر الطب وأنه من أسباب المعالجة الصحيحة لكن يجب على أربابه احترام عقول الناس
أعراض المرض الروحي
ذكرنا كثيرا أننا نعرف المرض الروحي من أعراضٍ عامةٍ وخاصةٍ ، فالعامة هي مايشترك فيها المرضى الروحيين ،والخاصة هي مايخص كل مرض على حده
وقلنا بأن للمريض الروحي أعراضه قبل الرقية و أثنائها وبعدها .
ويعاني المريض الروحي من أعراض عضوية ونفسية ورصدنا العديد من الأمراض العضوية والنفسية المصاحبة للمرض الروحي
ورصدنا استجابة الكثير من المرضى النفسيين أو من أصيب بمرض عضوي للرقية أكثر من استجابتهم للعلاجات العضوية والنفسية ، نظرا لأن أصل المشكلة روحية بحتة وسجلنا الاستجابة الحقيقية لهم على حسب درجة المرض المصاحب للمرض الروحي سهلة أو متوسطة أو صعبة
وقفة مع المراحل الزمنية الأربع
ذكرنا أن المريض الروحي يمر على أربع مراحل زمنية
الأولى : ماقبل المرض
الثانية : الإصابة بالمرض
الثالثة : مرحلة ماقبل خروج العارض
الأخيرة : مابعد الشفاء
ومحور حديثنا هذا اليوم هو في المرحلة الرابعة والأخيرة
مرحلة مابعد الشفاء
ذكرنا أن هذه المرحلة هي الأخطر نظرا لإصابة المريض بالجدل مع نفسه كثيرا فهي مرحلة حوارات بلا نهايات ،و أسئلة بلا إجابات نظرا لأنه تأقلم على المرض و قد يستنكر العافية ثم يتحول للمتأقلم على العافية المستنكر للمرض فتتولد عنده طريقتان للشكوى : شكوى المريض وقت مرضه ، وشكوى السليم حال مرضه فالعبرة بوجود المرض حقيقة لا بحجم الشكوى لأنه في الغالب نلاحظ قوة شكوى المريض ومبالغته وقت شفائه أكثر من مرضه ،وهي بمثابة النقطة السوداء الصغيرة في الثوب الأبيض النظيف.
نعم نعرف قوة المرض من درجته وليس من حجم شكوى المريض
أسباب شك المريض بشفائه :
1- توهم المرض
قد يعيش الكثير من المرضى بعد شفائه مرحلة التوهم للمرض وقد ينسب كل مشكلة على أنها انتكاسة لأنه تعوّد على سلوكيات معينة جعلته يعتقد أنها أعراض المرض الروحي ومنها الحزن الشديد بدون سبب فلو حصل للمريض بعد شفائه الحزن لظن أنها انتكاسه جديدة ونسي أن الإنسان السليم يحزن كما يحزن المريض .
2 – الوسوسة
وهي المشكلة الكبرى فقد يخلف المرض الروحي آثارا نفسية كبيرة جدا ويصل لمراحل خطيرة وبعد شفائه يتحول لسلوك نفسي سلبي فيكون المريض صعب المزاج كثير التعقيد و التدقيق غير المُبرر فيرى أنه مازال مسحورا مثلا ،وأن مشكلته صعبة ولم يعرف أحد حلها وأنها فوق مستوى المعالجين ،وقد يصاب بالعُجب جراء ذلك وقد يصل الموضوع لليأس والقنوط وأن مشكلته لن يحلها أحد أبدا وقد يجحد نعمة الله عليه ونسي أن كل هذه الأمور من المعاصي القلبية التي تحتاج للتوبة التي قد تكون من أهم الأسباب لتجاوزها
3ـ اجتماع المرض النفسي والعضوي
الكثير من المرضى تجتمع عليه المشكلة النفسية والروحية ، وقد تكون المشكلة النفسية هي الأكبر بينما الروحية ضئيلة جدا، ويتعامل مع مرضه بطريقة علاجية خاطئة فقد يتجاهل العلاج النفسي ويركز على العلاج الروحي بشكل مبالغ فيه أكبر من حجم المشكلة ذاتها
فقد يكون 20% مريضا روحيا و 80% مريض نفسيا
وهنا يجب توزيع الاهتمام بالمعالجة على حسب حجم المشكلة وحقيقتها .
4ـ معاندة بعض المرضى
ذكرنامن ضمن قواعد الرقية :
((المريض المدلل وهو الذي لايريد تطبيق أي علاج أو رقية لأسباب غير مقنعة كأن يرفض الرقية لأنها تسبب الكسل وهي بداية استجابة له من حيث لايعلم و سرعان مايتحسن تدريجيا
وقد لايقتنع من أي أحد))
أن الكثير من المرضى يطالب بالمعالجة بطريقة : ( فكروا بتفكيري ) فلا يقتنع إلا برأيه ولايسمع كلام من يعالجه وقد يرى نفسه هو الأعلم و لو كان رأيه هو السديد لما لجأ للرقية ولما حضر لذلك الراقي ولوجد الحل الجذري قبل الوصول للراقي هذا قد يجعله يشكك بتحقق شفائه مهما خطت مطاياه وبلغت أمانيه.
5ـ هوس النبض
الكثير من المرضى ينسب النبض كعرض للمرض الروحي وقد ينسى أنه من أعراض الشفاء وقد فصلنا في حقيقية النبض أنه عودة لجريان الدروة الدموية بشكل سليم بعد أن كان العارض يحبس الدم من الجريان و قد لايشعر بها المريض وقت مرضه فلماذا أصبحت بعد شفائه مرضا وهي لم تكن لمرضه عرضا و الأصل أن نبض المرض يكون ملازما للمريض ،ولكن حقيقته ليست بالنبض بل بالرفرفة ، والفرق بين الرفرفة والنبض أن الرفرفة تكون بحجم رفرفة جناح الطير أي أكبر حجما من النبض الذي هو بجحم الذباب ومهما كان النبض فهو يدل على صغر حجم العارض فمن يخشى الضعيف فهو أضعف منه
ودائما يكثر السؤال عن النبض ونحن نقول لمرضانا دوما لا داعي للقلق.
6ـ الجهل
من الأمور التي تشكك المريض بشفائه هو الجهل فلا شك أن العلم من أعظم الأسلحة التي يواجه الإنسان بها عدوه و مع العلم تتبين كافة الأسلحة لمواجهة العدو ، وبه يعرف مرضه من عدمه فالجهل هو أشد عدو فلا يجتمع عدوان ضد المريض
ومن الجهل هو اعتقاد الكثير من المرضى أن المرض الروحي له طرق خاصة للتخلص منه قد تكون محدودة جدا في نظره ، كأن يعتقد أن السحر لايشفى صاحبه إلا برؤية عقدة السحر وإبطالها ، أو أن العين لا يشفى صاحبها إلا بأخذ أثر العائن فقط وأن الممسوس لايشفى إلا بنطق العارض ومعاهدة و اهتزاز القدم وغيرها وهذا الفكر خاطيء ،فالشفاء له أسبابه الكثيرة جدا .
7- إغفال الأمور التعبدية
يطرق الناس أبواب البشر و قد ينسون باب الكريم الذي لايرد سائله سبحانه
وللأسف أن الكثير قد يجهل أن العبادات عامة من أكبر أسباب الشفاء فمهما اجتهد المريض بالعبادة فسيجد الخير العظيم في الدنيا والآخرة
و قد وردت الكثير من النصوص الصريحة في كون بعض الأمور التعبدية من أسباب الشفاء
قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ}
وقال تعالى :{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ}
أيضاً الصلاة ،والصيام ،والحج ،و العمرة ،والزكاة و الصدقة ،والدعاء ،والاستغفار ،وتلاوة كتاب الله والوقوف مع المحتاجين وغيره .
قال تعالى :{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
ولكن بعض المرضى يجهل ذلك .
8- جهله بأعراض الشفاء :
يجهل الكثير من المرضى أعراض الشفاء وقد يستمر بالرقية بعد شفائه ولايدري أنه سليم وسنذكرها هنا لكم بحول الله مفصلة .
أعراض الشفاء من المرض الروحي :
1 – زوال المرض
فلكل مرض روحي أثره على الإنسان ومع زواله نعرف شفاء المريض .
مثال : مريض كان عقيما لمدة طويلة بدون سبب طبي ومع الرقية تيسر حمل زوجته فزوال عقمه من علامات شفائه
2 – زوال أثر المرض
للمرض الروحي أثره العضوي والنفسي فالأعراض النفسية وتقلب المزاج التي قد تذهب مع الرقية من علامات الشفاء ،ومنها الأعراض العضوية ولعل اختفاء الآلام في الجسم عامة من علامات الشفاء ويحصل هذا لمن اشتكى ألما وثقلا في كتفيه ثم تزول بعد الرقية بدون علاج طبيعي أو غيره
3 – السعادة الكبيرة
من علامات الشفاء الكبرى هو انشراح الصدر وعودة الابتسامة والضحكة للمريض وهي جهاز ألاشعة التي ذكرناها في القواعد الخمسين
(جهاز الأشعة :
وهو الفيصل في معرفة تحسن المريض وهو حتى لا تخلط بين علامات الشفاء السلبية
والإيجابية ونعرف ذلك بالراحة النفسية
فغالب الراحة النفسية تعطي أن نتيجة الأشعة : خلو الجسد من جني أو ضعفه ضعفا شديدا)
ويحصل منها انشراح صدر المريض لعمل أي شيء يقول أحد المرضى الروحيين : ( في حال مرضي ليس لي رغبة في أي شي وبعد الشفاء أصبح لدي رغبة في عمل أي شيء) وهذا مما رصدناه وتعلمناه من مرضانا
4 – الهمة العالية
المرض الروحي يترك أثره الكبير في تكبيل الإنسان ولكن بعد شفاء المريض تتجدد همته ويعود نشاطه ويقضي التأجيلات الحياتية والتسويفات المنسية ، وقد ينجز أمورا في لحظات لم ينجزها في سنوات .
5 – خفة الروح
يعبر عنها المرضى بهذه الصيغة ولعل خفة الجسم وكأن حجرا إنزاح من صدره أوجبلا انهار من أكتافه ولعل التعبير صحيح لأنه هناك روح أخرى كانت تشاركه جسده وهو العارض.
6 – البركة
يجد المريض بعد شفائه بركة في ماله و عمره وصحته فمن أعراض المرض الروحي تعطل تلك الأمور ومن أعراض الشفاء عودتها لطبيعتها فالشيطان يريد منا الفقر والحزن
قال تعالى {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
7 – حسن الحظ
ونقصد به تيسر الأمور التي كانت تتعطل من وظيفة وزواج وتجارة وعدم تعقد الأمور عامة فمن علامات الشفاء هو أن يطرق الحظ بابك
8 – الإقبال على الطاعات
ومنها عودته للعبادات وقيامه بأمور لم يكن يستطيع عملها إطلاقا ،أو لم يكن يتلذذ بها ومنها محبة للإكثار من النوافل وعدم تفويت الفروض والواجبات عامة
9 – الابتعاد عن المعاصي
فالمريض الروحي قد يجد نفسه في فخ المعصية وقد يندم كثيرا ويشعر أنه مخدوع ،ولايعني من كلامنا أن نفتح بابا للمريض الروحي أن يعصي فيستطيع المريض السيطرة على نفسه ،ولكنه ليس كالسليم الذي ينفر من المعاصي و يجد من نفسه القوة في عدم العودة لها و يجد الثبات على الحق
10 – الاختلاط بالناس
يترك المرض الروحي أثرا كبيرا في عزلة الشخص عن الناس فلا يخالطهم ولا يحضر المناسبات و لايزور المرضى و لايصل أرحامه و لايذهب للأمكان المزدحمة ، و لا يتعاهد جيرانه ولايحب أن يدعو الناس لمنزله ،و لايخرج من منزله إلا للضرورة ويفضل العزلة بشكل كبير جدا
ولكن بعد الشفاء يحدث العكس ويختلط بالناس و يستمتع بذلك ويصبر ويتحمل ما يحصل منهم
ختاما
اتق الله يامن تنكر نعمة الله عليك وترى أنك مريض وتكثر الشكاية للخلق وتتذمر ولاتعلم أنه اعتراض على الخالق
ولاتذكر نعمة الله عليك أبدا فما يدريك فقد يكون ما أصابك من حيرة هو بسبب ذنوبك القلبية التي ترى أنها أعمالا صالحة
قال تعالى :{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}
—
منتديات الشيخ عبدالله الخليفة
http://www.alkhalefaa.com/vb/index.php