الكاتب / عبدالله الخليفة
تمهيد :
المريض الروحي على أنواع: فقد يكون عند دخوله مشوار المعالجة مجتهدا ويأخذ بأسباب الشفاء ، وقد يكون على العكس متكاسلا ومسوِّفا. وفي كلتا الحالتين فالمريض هو من يأتي بنفسه طالبا للمعالجة وللرقية. إلا أنه يوجد نوع ثالث يُجرّ إلى الرقية جرّا تكابده متاهات المرض الروحي وتقذف به بين شاطئ مليئ بالأشواك وأمواج عاتية وهو يظن أنه سليم. وعن هذا النوع الأخير نُفسح المجال لتفسير حالة صدوده عن الرقية وكيفية تعامل المعالج والمحيطين به معها.
مالمقصود بالصدود :
لغة يقال صدَّه عن الأمر أي منعه ، صرفه ، ردعه. والصدود والصد قد يكون انصرافا عن الشيء وامتناعا، نحو: ﴿يَصُدُّونَ عَنْك صُدُودًا﴾ [النساء/61]، وقد يكون صرفا ومنعا نحو: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ [النمل/24]، ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [محمد/1]، ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحج/25]، ﴿قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله﴾ [البقرة/217]، ﴿ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك﴾ [القصص/87]، إلى غير ذلك من الآيات. وقيل : صد يصد صدودا، وصدَّ يصدُّ صدا. قال السرقسطي : وصد عن الشيء صدودا أي أعرض عنه.
سبب إحجام بعض المرضى عن الرقية والعلاج :
هناك فئة من المرضى لا يريدون لأنفسهم الخير فهم مصدودون و يتصددون عن كل سبب لعلاجهم أو من يسعى لعلاجهم. فأولئك هم من يُطلق عليهم المصدودون عن الرقية حيث تنطبق عليهم قاعدة (فندق خمس نجوم)*.فالمصدود عن الرقية لا يرحب بأسباب الشفاء من أمور تعبدية ورقية شرعية وعلاجات نافعة إما بسبب المرض نفسه أو بسببه هو. وقد يلجأ العارض للخدعة والوسوسة (وتلك أسلحة يُشهرها لإحكام السيطرة على المريض) وذلك إذا أراد أمرا تصريحا أو تلميحا فتجد المريض يقول له سمعا وطاعة. وغالب الأمور المحببة تكون من قبيل الخدعة والوسوسة حتى يصل المريض لدرجة من الهوان والضعف. وقد يصل به الأمر لترك كل ما يضايقه أحيانا من أسباب الشفاء ظانّا أنه هو المتضايق وأنها ضرر عليه. إلا أنه نسي أمرا غاية في الأهمية وهو أن العارض يتقمص الشخصيات، فيتركه المريض يسرح ويمرح بجسده فيترك الحجامة أو المسك أو الرقية أو برنامج الطب النبوي مثلا بحجة إنه غير مرتاح.
كيفية التعامل مع المصدود عن الرقية:
تَبعا للأسباب الآنف ذكرها تختلف طريقة التعامل مع المصدود عن الرقية عن غيره من المرضى الروحيين الذين يبذلون الأسباب من تلقاء أنفسهم لرصف دروب الشفاء. فالتعامل معه يحتاج للكثير من الحكمة من كل المحيطين به وإلى التدرج عبر وضع مراحل حسب تقدمه في العلاج. غير أنه قبل وضع هذه المراحل لا بد من التأكد من أمور كثيرة وأولها :
– 1هل المصدود فعلا مريض ؟
للتأكد مبدئيا من الإصابة الروحية للمصدود عن الرقية، لا بد أولا من ضبط الأعراض والتغيرات التي طرأت عليه ،ورصد بداية التغير الذي طرأ عليه. وفي نفس السياق، يتوجب معرفة إن كان هذا التغيير على نمط معين أو أنّ له أوقات تظهر فيها الأعراض وتشتد بشكل لافت للنظر.
– 2هل يوجه المصدود مباشرة للمعالجة ؟
المصدودون عن الرقية على أنواع. فلكل مصدود حالته الخاصة التي تختلف عن مصدود آخر. وهذا الاختلاف ينحصر على سبيل الذكر لا الحصر في عمر المصدود، وجنسه، وخاصة شخصيته. فمن الضروري معرفة ملامح شخصية المريض المصدود (من حيث العاطفة والحساسية والتعامل مع الغير) وذلك لتوخي الطريقة المناسبة للتعامل معه سواء قبل المعالجة أو أثناءها. وهنا تأتي أهمية معرفة في أيّ مرحلة يتواجد هذا المصدود من المراحل الزمنية الأربعة للمريض الروحي.
فإن كان في المراحل الأولى، فالأوْلى عدم الضغط عليه بالرقية ومحاولة مسايرته وتحمل تصرفاته والصبر عليه خلال هذه الفترة. فلا بد للأهل في هذه المرحلة من الحرص على تحصين المنزل ،فهو بمثابة أساس البناء ، وإخرج كل ما يخل بالتحصين.ولو استطاعوا تحصين المريض لكان أفضل حتى تهدأ نفسه مع الدعاء له ،وعندما يجد المصدود بوادر الراحة يبدأ في تقبل الرقية تدريجياً وبذلك تجاوز المصدود عقبة الامتناع عن الرقية وبدأ في أول خطوة لسلك الطريق الصحيح في الرقية والعلاج بعون الله.
– 3ماهي الخطوات العملية لعلاج المصدود عن الرقية ؟
جُبٍلت النفس البشرية على محبة من يعاملها بلطف ويحسن إليها فما بالنا بالمصدود عن الرقية فهو يحتاج من يأخذ بيده. لذلك وجب وخاصة في أول جلسة إعطاء المصدود فرصة للتعبير عن نفسه وعلى ما يجول بداخله. فمن الحكمة تهيئته نفسيا لتقبّل الرقية في الجلسات المقبلة. ويكون السبيل للوصول إلى ذلك هو مخاطبته بلين وعدم الضغط عليه تأسيا بالرسول صلى الله عليه وسلم. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :”إن الله رفيق يحب الرفق وإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف “[صحيح البخاري ومسلم].وقال أيضا : “ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه“[رواه مسلم في صحيح الجامع للألباني حديث رقم : 5654]. فتكون أول جلسة فرصة للبدء معه برقية قصيرة بنية تهدئة نفسيته. كما يجدر أن تخصص أول جلسة لإحياء العقيدة في قلبه وبيان فضل الصلاة في وقتها ، ولزوم تحصين النفس وأنها زمام الأمر والمعينة بعد الله للوصول للشفاء. كما أذكره بأن الله وحده هو الشافي. وهذا هو أساس التعامل مع المصدود حيث يقول الشيخ عبد الله الخليفة حفظه الله :”يجب التدرج مع المريض فهو في البداية قد يكون مصدودا عن الرقية فيجب التمهيد”.
عند الوصول لمرحلة تقبّله للرقية وإقباله عليها، يتوجب المرور بعد ذلك إلى استماعه للرقية العامة (أو القراءة عليه) مع ملاحظة تصرفاته أثناء الرقية والآيات التي يتأثر منها. ولو وُجد التأثر مع الحسد والسحر، يجب البدء بالتركيز على أقلّها تأثرا وهذا خلافا للمريض الروحي غير المصدود والذي يقع تحت قاعدة (حظيرة الحيوانات**(في صورة تعدد اصاباته الروحية). فمن الحكمة في رقية المصدود البدء بالعارض الأضعف حتى لا ينفُر المصدود من الرقية. وبذلك يمكن التخلص من العارض الذي يشكّل أقل أهمية حتى يكون التفرغ بعد ذلك للعارض الأكثر وطأة. وفي هذه الأثناء يكون المريض قد سيطر على نفسه وتقبل التعامل مع مرضه.
لكل مريض روحي تعامل خاص بناء على طبيعة العارض المتلبس به وبناء على شخصية المريض نفسه وطباعه. ومن باب أوْلى أن تكون طريقة التعامل مع المصدود عن الرقية مختلفة تأخذ بعينالاعتبار الجوانب العامة للمرض الروحي وتقنينها لتناسب طبيعة وشخصية المريض من باب التكيّف الذكي معها. فإن كان لدى المصدود مثلا أعراض حضور فلا بد للراقي أو المعالج أو المحيطين به من تجاهلها تحقيرا للعارض وإشعاره بعدم أهميته. فالأهمية القصوى هي رصف الطريق لشفاء المريض بالأخذ بالأسباب. قد يتساءل المريض ويبدي استغرابه من هذه الأعراض وعن أسبابها، وهنا يكفي أن يذكَّر بأنّ الأمر بحول الله سهل والعلاج بعد الله بيده وأن هذه من أسباب الاستجابة للرقية . ولا بد أيضا من تذكيره بأجر الصابرين على البلاء. ولو ذُكِرت له بعض قصص من تمّ شفاؤهم لكان أفضل. فهي تفتح له باب الأمل وانتظار الفرج. كما يجدر نُصحه بمجاهدة نفسه وعدم الركون لمرضه. بل يجب رفع همّته ليعيش حياته ويقوم بجميع مسؤولياته. فهي من السبل المعينة على نسيان البلاء ودحر كيد العارض الذي يترصده بنقض تحصينه. وبذلك يقطع على العارض طريقه ومبتغاه ويعجل بعون الله شفاؤه.
خاتمة :
فالحكمة تستوجب التعامل مع المصدود بلين وبإفساح المجال للتعبير عن نفسه وذلك من باب التمهيد لتقبّله الرقية في الجلسات القادمة. ولا بد لكل من يمدّ له يد المساعدة أن يخلص النية وأن يشعره بأهميته من خلال الدعاء له بظهر الغيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*قاعدة (فندق خمس نجوم) :
وهي أن يوفر للمتلبس كل ما يطلبه فلا يعالج نفسه ولا يصلي ويكره من ينصحه ولا يسمي أثناء الكل وربما عاقر الكبائر
فلا شك أنه ترك المتلبس يقضي أفضل أيام حياته ضمن كرامة الله لبني آدم على الإنس
**قاعدة (حظيرة الحيوانات المختلفة) :
الحظيرة التي تحوي أغناما وأسدا وذئبا وكلبا تجد أن المسيطر في البداية الأسد ، والذئب والكلب كالغنم لقوة الأسد بل لا تشعر بوجود البقية فإذا خرج الأسد تبين الذئب وظل الكلب كالغنم وإذا خرج الذئب استقوى الأضعف وهو الكلب وهذا المثال لمن ابتلي بأكثر من مرض روحي أو ثلاثة مس ، وسحر ، وعين قوية.فيكاد لا يشعر بالعين لقوة المس ويكاد لا يشعر بالعين والمس لقوة السحر و تجد هذا في من لديه خادم سحر ينطق على لسان المريض فيظن المعالج أنه مسحور فقط لأن السحر هو المسيطر بل لابد من الدراية والبحث عن أمور أخرى تحت سيطرة الأقوى فإذا خرج السحر انصرف المريض وترك الباقي وهذا من الأخطاء لذلك يأتي هنا أهمية وفائدة العلاج الشمولي كبرنامج الطب النبوي حيث يساعد في معالجة ما خفي من الأمراض . وهذا سبب انتكاسة بعض المرضى ظانا أن السحر جدد بينما هو في مرحلة (استقوى الأضعف ).