من يزور الدول الاقتصادية والسياحية وحتى الكثير من الدول النامية يلاحظ وجود مساحات شاسعة من الأراضي المحجوزة، بعضها خصص للمشاريع التنموية والبنية التحتية وبعضها يطرح كمناقصات لبناء مجمعات سكنية تؤجر على المواطنين بمبالغ رمزية أو تباع بسعر التكلفة، وبعض تلك المساحات تخصص لحدائق الحيوان والحدائق العامة .. أي أن جميع المساحات المحجوزة مخصصة إما لمشاريع تنموية ومساعدة المواطنين أو لزيادة الرفاهية أو كرافد اقتصادي عن طريق السياحة والمناقصات العامة.
ونحن بدورنا – كالعادة – طورنا هذه الأفكار العالمية مع وضع لمسات أخيرة تضفي عليها البصمة السعودية التي أصبحت معروفة لدى القاصي والداني، وذلك بتحويل جميع المساحات الطبيعية والساحات الفكرية وحقوق المواطن إلى «شبوك» .. فأصبحت بلادنا عبارة عن شبوك أراضي وشبوك مناصب وشبوك واسطات وشبوك مشاريع وشبوك تعليم وشبوك توظيف وكذلك «شبوك فكرية» وهي أحدث أنواع الشبوك وأكثرها فتكاً ويصعب معالجتها على المدى القصير خصوصاً في حالة الهذيان التي يعيشها الشارع السعودي، فالكثير من أبنائه مسطحو الفكر لاتتجاوز أحلامهم وسيلة النقل والنقال وإعانة حافز وهي نفس الدائرة التي تتقوقع فيها الفتاة السعودية مع بعض الخصوصية فتزيد عن الشاب بالاهتمام بالزينة وأدواتها.
لا ينهض الوطن والكثير من أبنائه مغيبو الفكر يُشغلون بتوافه الأمور مثل الرياضة ومتابعة الافلام والمسلسلات. ولا ينهض الوطن في وجود 8 ملايين أجنبي مع امتناع رجال الأعمال عن الاستغناء عن جزء يسير منهم مقابل توظيف الشباب السعودي، وكي نكون منصفين فبعض الشباب أصبح عالة على الوطن وعلى عائلته فقد أشغله موضوع تمديد حافز أكثر من اهتمامه بالبحث عن الوظيفة البسيطة التي تكفل له بداية الطريق وبعدها يكون المسؤول عن اكمال طريقه بنجاح أو العودة للبحث عن حافز والبكاء على مشاريع السعودة. ولا ينهض الوطن وبعض الشباب يعبر عن حبه للوطن – إن كان يعتبره حبا – في اليوم الوطني بتكسير السيارات وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة بل وتهديد الآمنين.
وعند الحديث عن الشبوك الفكرية فقد جبلت النفس البشرية على حب الحرية والبحث عنها ولو في شاشة الحاسب الآلي .. فهل يعقل أن يطالب أحد المثقفين بإيقاف برنامج تويتر؟ وهل يعقل أن يصرح أحد كبار المسؤولين بوجود تنظيم جديد لجميع المواقع الإلكترونية (ترخيص إجباري) وبالتالي مراقبة كل خاطرة وتغريدة وهاشتاق وتدوينة وإلا فسوف تحجب المواقع التي لم تقدم الولاء والطاعة.
نكزة : لاشك أن كل الشبوك من الممكن أن تزول مع زوال السبب أو المسبب إلا الشبوك الفكرية فأثرها يمتد لأجيال تذكرنا بآثار القنبلة النووية في هيروشيما وناجازاكي .. ولكن قنابلنا الفكرية صناعة أجنبية بأيد ليبرالية وبمباركة شعبية.
والله أعلم